فصل: القول في الموالاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ***


القول في التحمل

قال إمام الحرمين‏:‏ يدخل التحمل في أربعة أشياء‏:‏

أحدها‏:‏ أداء الزكاة إلى الغارم‏.‏ قال‏:‏ وهذا تحمل حقيقي وارد على وجوب مستقر‏.‏

الثاني‏:‏ كفارة زوجته في نهار رمضان في قول‏:‏ إنها عنه وعنها‏.‏

الثالث‏:‏ تحمل الد ذية عن العاقلة وهل تجب على العاقلة ابتداء أم على الجاني‏؟‏ ثم تتحملها العاقلة‏؟‏ قولان‏.‏ أصحهما‏:‏ الثاني‏.‏

الرابع‏:‏ الفطرة‏.‏ وهل تجب على المؤدي ابتداء أم على المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي‏؟‏ قولان أو وجهان أصحهما‏:‏ الثاني‏.‏

قلت‏:‏ ولهذا الخلاف نظائر‏:‏

منها‏:‏ الفاتحة هل وجبت على المسبوق ثم سقطت ويتحملها الإمام عنه أو لم تجب أصلا‏؟‏ رأيان‏:‏ أصحهما‏:‏ الأول‏.‏

ومنها‏:‏ إذا زوج أمته بعبده‏;‏ لم يجب مهر‏,‏ وهل وجب ثم سقط‏,‏ أو لم يجب أصلا‏؟‏ وجهان‏:‏ أصحهما‏:‏ الثاني‏.‏

ومنها من عرض له المانع‏,‏ وقد أدرك من الوقت ما لا يسع الصلاة فهل نقول‏:‏ وجبت‏,‏ ثم سقطت‏,‏ أو لم تجب أصلا‏؟‏ فيه تردد للأصحاب‏.‏ وصرح في شرح المهذب بالثاني‏.‏ قال السبكي‏:‏ وكلام الأصحاب يقتضي الأول‏,‏ فالوجوب بأول الوقت والاستقرار بالتمكن كما في الزكاة‏.‏

ومنها إذا خرج من مكة ولم يطف للوداع‏,‏ فعليه دم‏,‏ فإن عاد قبل مسافة القصر سقط الدم على الصحيح‏.‏ هذه عبارة الأصحاب‏.‏ وظاهر السقوط‏:‏ أنه وجب ثم سقط‏.‏ ونازع الشيخ أبو حامد في كونه وجب‏.‏ وكذلك في نظيره‏:‏ من مجاوزة الميقات إذا عاد‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قتل الوالد الفرع فهل يقول‏:‏ يجب القصاص ويسقط أو لم يجب أصلا‏؟‏ فيه وجهان حكاهما الإمام وقال‏:‏ لا جدوى للخلاف‏.‏

 

ضابط‏:‏

قال ابن القاص‏:‏ يحمل الإمام عن المأموم‏:‏ السهو وسجود القرآن والقيام والقراءة للمسبوق والجهر والتشهد الأول إذا فاتته ركعة والسورة في الجهرية ودعاء القنوت‏.‏

القول في الأحكام التعبدية

منها‏:‏ اختصاص الطهارة بالماء فيه رأيان‏.‏

أحدهما‏:‏ أنه تعبدي لا يعقل معناه‏,‏ وعليه الإمام والكناني‏.‏

الثاني‏:‏ أنه معلل باختصاص الماء بالرقة واللطافة والتفرد في جوهره وعدم التركيب وعليه الغزالي‏.‏

ومنها‏:‏ اختصاص التعفير بالتراب‏.‏ قيل‏:‏ إنه تعبدي وقيل معلل بالاستظهار‏.‏

وقيل‏:‏ بالجمع بين الطهورين‏.‏

ومنها‏:‏ أسباب الحدث والجنابة تعبدية‏:‏ لا يعقل معناه فلا يقبل القياس‏.‏ قال بعضهم‏:‏ ولولا أنها تعبدية‏,‏ لم يوجب المني الذي هو طاهر عند أكثر العلماء غسل كل البدن ويوجب البول والغائط اللذان هما نجسان بإجماع غسل بعضه‏.‏

ومنها‏:‏ نصب الزكاة ومقاديرها‏.‏

ومنها تحريم الصلاة في الأوقات المكروهة‏.‏ قال البغوي‏:‏ إنه تعبدي لا يدرك معناه‏.‏

 وتعقب بأن في حديث مسلم الإشارة إلى المعنى حيث قال‏:‏ ‏"‏فإنها تطلع بين قرني شيطان‏"‏وحينئذ يسجد لها الكفار‏,‏ فأشعر بأن النهي لترك مشابهة الكفار‏.‏

وقد اعتبر ذلك الشرع في مواضع‏:‏

منها‏:‏ لو كمل وضوءه إلى إحدى الرجلين‏,‏ ثم غسلها وأدخلها الخف‏,‏ فإنه ينزع الأولى‏,‏ ثم يلبسها‏.‏ ومنها‏:‏ إذا اصطاد‏,‏ وهو محرم ولم يرسله حتى حل‏,‏ ولا امتناع للصيد فإنه يرسله‏,‏ ثم يأخذه إذا شاء‏.‏ ومنها‏:‏ إذا كال المشتري الطعام‏,‏ ثم باعه في الصاع‏:‏ لم يجز حتى يكيله ثانيا‏.‏

ومنها‏:‏ استحباب تسمية المهر في نكاح عبده بأمته‏.‏

 ومنها‏:‏ أكثر مسائل العدة والاستبراء‏.‏

ومنها‏:‏ اختصاص عقد النكاح بلفظ التزويج والإنكاح‏.‏ 

ومنها‏:‏ حرمة الإسراف في الماء وكراهته على النهر‏.‏

ومنها‏:‏ تحريم الصوم على الحائض‏.‏ قال الإمام‏:‏ لا يعقل معناه‏;‏ لأنه إن كان لعدم الطهارة فالطهارة ليست شرطا في الصوم بدليل صحة صوم الجنب‏,‏ وإن كان لكونه يضعفها‏,‏ فهذا لا يقتضي التحريم بل عدم الإيجاب بدليل ما لو تكلف المريض أو المسافر‏,‏ فصاما مع الإجهاد فإنه يصح‏.‏

ومنها‏:‏ تحريم الذكاة بالسن والظفر‏.‏ قال ابن الصلاح‏:‏ لم أجد بعد البحث أحدا ذكر لذلك معنى يعقل كأنه تعبدي عندهم‏.‏

تذنيب‏:‏

قريب من ذلك ما شرع لسبب‏,‏ ثم زال ذلك السبب فاستمر‏.‏ كالرمل فإنه شرع لمراءاة المشركين وقد زالت واستمر هو وقريب من هذا‏:‏ إمرار موسى على رأس الأقرع تشبيها بالحالقين‏.‏

ونظيرها‏:‏ إمراره على ذكر من ولد مختونا‏,‏ ذكره بعض شراح الحديث‏.‏

ونظيره أيضا‏:‏ إمرار السواك على فم من ذهبت أسنانه‏;‏ لحديث في ذلك ولم أر من تعرض له من الفقهاء‏.‏

خاتمة‏:‏

قال بعضهم‏:‏ إذا عجز الفقيه عن تعليل الحكم قال‏:‏ هذا تعبدي‏.‏

وإذا عجز عنه النحوي قال‏:‏ هذا مسموع‏.‏

وإذا عجز عنه الحكيم قال‏:‏ هذا بالخاصية‏.‏

القول في الموالاة

هي سنة على الأصح‏:‏ في الوضوء‏,‏ والغسل‏,‏ والتيمم‏,‏ إلا في طهارة دائم الحدث فواجبة وبين أشواط الطواف والسعي والجمع بين الصلاتين في وقت الثانية‏,‏ وأيمان القسامة وسنة تعريف اللقطة‏.‏

وقيل‏:‏ واجبة في الكل‏.‏

وواجبة على الأصح في الجمع في وقت الأولى‏,‏ وبين طهارة دائم الحدث وصلاته‏,‏ وبين كلمات الأذان والإقامة‏,‏ وبين الخطبة وصلاة الجمعة‏,‏ وفي الخطبة‏,‏ وكأيمان اللعان وسنة التغريب في الزنا‏.‏

وقيل‏:‏ لا يجب في الكل‏.‏ ويجب قطعا بين كلمات الفاتحة والتشهد ورد السلام‏,‏ والإيجاب والقبول في العقود إلا الوصية‏.‏

قاعدة‏:‏

ما تعتبر فيه الموالاة‏.‏ وغالبها يرجع فيه إلى العرف وربما كان مقدار أمن التخلل مغتفرا في باب دون باب كما سنبينه‏.‏

أما الطهارة‏:‏ ففي تخللها القاطع أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ الرجوع فيه إلى العرف‏.‏

والثاني‏:‏ أنه الطويل المتفاحش‏.‏

والثالث‏:‏ ما يمكن فيه تمام الطهارة‏.‏

والرابع‏:‏ وهو الأصح أن يمضي زمن يجف فيه المغسول آخرا مع اعتدال الزمان والمزاج ويقدر الممسوح مغسولا‏.‏

وأما طهارة دائم الحدث‏,‏ وصلاته‏;‏ فقال الإمام‏:‏ ذهب الذاهبون إلى المبالغة في الأمر بالبدار‏.‏

وقال آخرون‏:‏ يغتفر تخلل فصل يسير‏.‏

قال‏:‏ وضبطه على التقريب عندي‏:‏ أن يكون على قدر الزمن المتخلل بين صلاة الجمع ا هـ‏.‏

والمرجع في تخلل صلاة الجمع إلى العرف على الصحيح‏.‏

وأقل الفصل اليسير بينهما‏:‏ ما كان بقدر الإقامة‏.‏ والطويل‏:‏ ما زاد‏.‏

وعلى الأول‏.‏ قال القاضي أبو الطيب‏:‏ ما منع من البناء على الصلاة إذا سلم ناسيا منع الجمع‏,‏ وما لا فلا‏.‏

تنبيه‏:‏

اغتفر تأخير دائم الحدث لانتظاره الجماعة‏,‏ ولم يغتفر ذلك في الجمع‏.‏

قال في الوافي‏:‏ والفرق أن صلاتي الجمع كالواحدة فيضر الفصل الطويل‏.‏

ويرجع إلى العرف أيضا في موالاة الفاتحة فيقطعها سكوت طويل عمدا ويسير قصد به قطع القراءة‏,‏ وذكر إلا إن تعلق بالصلاة في الأصح ولا يقطعها تكرار آية من الفاتحة‏.‏ قال المتولي‏:‏ إلا أن تكون تلك الآية منقطعة عن التي وقف عليها‏;‏ فإنها تقطعه بأن وصل إلى ‏{‏أَنْعَمْتَ‏}‏ ثم قرأ ‏{‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏ فقط‏,‏ وكذا نقله في شرح المهذب‏.‏

قال الأسنوي‏:‏ والذي قاله المتولي ظاهر‏,‏ يمكن حمل إطلاقهم عليه‏,‏ لا سيما أن الصورة المذكورة نادرة يبعد إرادتها‏.‏

 ويرجع إلى العرف أيضا في موالاة الأذان فلا يقطعه اليسير من السكوت والكلام والنوم والإغماء والجنون والردة‏,‏ ويقطعه الطويل منها‏.‏

وقيل‏:‏ لا يقطعه الطويل أيضا‏.‏

وقيل‏:‏ يقطعه اليسير أيضا والكلام أولى بالإبطال من السكوت‏,‏ والنوم أولى به من الكلام‏,‏ والإغماء أولى به من النوم‏,‏ والجنون أولى به من الإغماء‏,‏ والردة أولى به من الجنون‏,‏ والإقامة أولى به من الأذان‏.‏

وحيث قلنا‏:‏ لا يقطعه الطويل‏,‏ فالمراد‏:‏ إذا لم يفحش الطول بحيث لا يعد مع الأول أذانا‏.‏

ويرجع إليه أيضا في موالاة الخطبة والطواف والسعي‏.‏

قال الإمام‏:‏ التفريق الكثير ما يغلب على الظن تركه الطواف‏.‏

وفي سنة تعريف اللقطة قال الإمام‏:‏ فلا يلزم استيعاب السنة‏,‏ بل لا يعرف في الليل ولا يستوعب الأيام أيضا على المعتاد‏;‏ فيعرف في الابتداء كل يوم مرتين طرفي النهار‏,‏ ثم كل يوم مرة‏,‏ ثم كل أسبوع‏,‏ ثم كل شهر‏,‏ بحيث لا ينسى أنه تكرار للأول‏.‏

وأما البيع والنكاح ونحوهما فضابط الفصل الطويل فيها‏:‏ ما أشعر بإعراضه عن القبول‏.‏

وفي وجه ما خرج عن مجلس الإيجاب‏.‏

وفي ثالث‏:‏ ما لا يصلح جوابا للكلام في العادة‏.‏

وعلى الأول‏:‏ لو حصل الفصل بكلام أجنبي قصير‏,‏ فذكر الرافعي في البيع والنكاح أنه يضر على الأصح وذكر في الطلاق والخلع‏:‏ أنه لا ينقطع به الاتصال بين الإيجاب والقبول على الأصح‏,‏ ووافقه في الروضة على هذه المواضع‏.‏ وقال في شرح المهذب في البيع‏:‏ ولو تخللت كلمة أجنبية بطل العقد‏.‏ قال ابن السبكي‏:‏ والفرق أن الخلع أوسع قليلا على ما أشار إليه بعض الأصحاب فلم يشترط فيه من الاتصال القدر المشترط في البيع ونحوه‏.‏

وأما رد السلام‏:‏ فحكمه حكم الإيجاب والقبول‏.‏ وقال الإمام‏:‏ الاتصال المعتبر في الاستثناء أبلغ منه بين الإيجاب والقبول‏;‏ لصدورهما من شخصين وقد يحتمل من شخصين ما لا يحتمل من واحد‏;‏ فلا تضر فيه سكتة تنفس وعي‏.‏ لكن نقل النووي عن صاحب العدة والبيان أنهما حكيا عن المذهب أنه لو قال علي ألف أستغفر الله إلا مائة صح‏,‏ واحتجا بأنه فصل يسير‏,‏ فصار كقوله‏:‏ علي ألف يا فلان إلا مائة‏.‏ قال النووي‏:‏ وهذا الذي نقلاه فيه نظر‏.‏

وقال السبكي‏:‏ في الجمع بينهما‏:‏ يظهر أن الكلام اليسير إن كان أجنبيا‏,‏ فهو الضار وإلا فهو الذي يغتفر كقوله‏:‏ أستغفر الله‏,‏ ويا فلان فليحمل كل منهما على الفصل اليسير بنحو أستغفر الله‏,‏ ويا فلان لا على مطلق الفصل اليسير‏.‏

فائدة‏:‏

قال ابن السبكي‏:‏ الضابط في التخلل المضر في الأبواب‏:‏ أن يعد الثاني منقطعا عن الأول وهذا يختلف باختلاف الأبواب فرب باب يطلب فيه من الاتصال ما لا يطلب في غيره وباختلاف المتخلل نفسه فقد يغتفر من السكوت ما لا يغتفر من الكلام ومن الكلام المتعلق بالعقد ما لا يغتفر من الأجنبي ومن المتخلل بعذر ما لا يغتفر من غيره فصارت مراتب‏.‏

أقطعها للاتصال‏:‏ كلام كثير أجنبي وأبعدها عنه‏:‏ سكوت يسير لعذر‏.‏ وبينهما مراتب لا تخفى‏.‏

تنبيه‏:‏

من المشكل هنا‏:‏ ما ذكره الرافعي وغيره في الولي إذا وهب الصبي من يعتق عليه ولم يقبله أن الحاكم يقبله فإن لم يفعل قبله الصبي بعد بلوغه‏.‏ قال ابن السبكي‏:‏ فهذا فصل طويل فلماذا يغتفر‏؟‏‏.‏

وأيضا‏:‏ فالإيجاب صدر‏,‏ والصبي غير أهل للقبول‏.‏ قال‏:‏ ولا يمكن أن يحمل على قبول إيجاب متجدد بعد البلوغ لأن ذلك معروف لا معنى لذكره‏.‏

القول في فروض الكفاية وسننها

قال الرافعي وغيره‏:‏ فروض الكفاية أمور كلية‏,‏ تتعلق بها مصالح دينية‏,‏ أو دنيوية لا ينتظم الأمر إلا بحصولها فطلب الشارع تحصيلها لا تكليف واحد منها بعينه بخلاف العين‏,‏ وإذا قام به من فيه كفاية سقط الحرج عن الباقين أو أزيد على من يسقط به‏,‏ فالكل فرض إن تعطل أثم كل من قدر عليه إن علم به‏,‏ وكذا إن لم يعلم إذا كان قريبا منه يليق به البحث والمراقبة ويختلف بكبر البلد‏,‏ وقد ينتهي خبره إلى سائر البلاد‏,‏ فيجب عليهم وللقائم به مزية على القائم بالعين‏;‏ لإسقاط الحرج عن المسلمين بخلافه‏.‏ ومن ثم ادعى إمام الحرمين ووالده والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني‏:‏ أنه أفضل من فرض العين‏,‏ وحكاه أبو علي السنجي عن أهل التحقيق والمتبادر إلى الأذهان‏:‏ خلافه‏.‏

وفروض الكفاية كثيرة‏:‏

منها‏:‏ تجهيز الميت غسلا وتكفينا وحملا وصلاة عليه ودفنا‏,‏ ويسقط جميعها بفعل واحد‏.‏

وفي الصلاة وجه‏:‏ أنه يجب اثنان وآخر‏:‏ ثلاثة‏,‏ وآخر‏:‏ أربعة ولا تسقط بالنساء وهناك رجال‏.‏

ومنها‏:‏ الجماعة في الأصح وإنما تسقط بإقامتها حيث يظهر الشعار في البلد فإن كان صغيرا كفى إقامتها في موضع واحد وإلا فلا بد من إقامتها في كل محلة‏.‏

ومنها‏:‏ الأذان والإقامة على وجه اختاره السبكي وإنما يسقط بإظهارهما في البلد أو القرية بحيث يعلم به جميع أهلها لو أصغوا‏.‏ ففي القرية‏:‏ يكفي الأذان الواحد‏,‏ وفي البلد لا بد منه في مواضع‏.‏ وعلى هذا قال في شرح المهذب‏:‏ الصواب وظاهر كلام الجمهور‏:‏ إيجابه لكل صلاة‏.‏

وقيل‏:‏ يجب في اليوم والليلة مرة واحدة‏.‏

ولنا وجه‏:‏ أنه فرض كفاية في الجمعة دون غيرها‏;‏ لأنه دعاء إلى الجماعة‏,‏ والجماعة واجبة في الجمعة‏,‏ ومستحبة في غيرها فالدعاء إليها كذلك‏.‏

وعلى هذا فالواجب فيها‏:‏ هو الذي بين يدي الخطيب أو يسقط بالأول‏؟‏ فيه وجهان‏.‏

ومنها‏:‏ تعلم أدلة القبلة على ما صححه النووي‏.‏

ومنها‏:‏ صلاة العيد على وجه‏.‏

ومنها‏:‏ صلاة الكسوف على وجه حكاه في الحاوي وجزم به الخفاف في الخصال‏.‏

ومنها‏:‏ صلاة الاستسقاء على وجه‏,‏ حكاه في الكفاية‏.‏

ومنها‏:‏ إحياء الكعبة كل سنة بالحج‏.‏

قال الرافعي‏:‏ هكذا أطلقوه‏.‏

وينبغي أن تكون العمرة كالحج‏,‏ بل الاعتكاف والصلاة في المسجد الحرام فإن التعظيم وإحياء البقعة يحصل بكل ذلك‏.‏

واستدركه النووي بأن ذلك لا يحصل مقصود الحج‏,‏ فإنه يشتمل على الرمي والوقوف والمبيت بمزدلفة ومنى وإحياء تلك البقاع بالطاعات وغير ذلك‏.‏ قال في المهمات‏:‏ وكلام النووي لا يلاقي كلام الرافعي فإن الكلام في إحياء الكعبة لا في إحياء هذه البقاع‏.‏

قال‏:‏ وإن كان المتجه في الصلاة والاعتكاف ما ذكره النووي فإنه ليس فيهما إحياء الكعبة ولو كان الاعتكاف داخلها لعدم الاختصاص‏.‏

قال‏:‏ والمتجه أن الطواف كالعمرة‏.‏

وأجاب البلقيني عن بحث الرافعي‏:‏ بأن المقصود الأعظم ببناء البيت‏:‏ الحج‏,‏ فكان إحياؤه به بخلاف العمرة والاعتكاف والصلاة والطواف‏.‏

قال في شرح المهذب‏:‏ ولا يشترط عدد مخصوص بل الفرض حجها في الجملة وقال الأسنوي وغيره‏:‏ المتجه اعتبار عدد يظهر به الشعار‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ علم مما تقرر‏:‏ أن إحياء الكعبة كل سنة بالحج فرض كفاية وأن فرض الكفاية إذا قام به زيادة على من يسقطه فالكل فرض أنه لا يتصور وقوع الحج نفلا‏,‏ وأن قاعدة ‏"‏إن الفعل لا يجب إتمامه بالشروع‏"‏ غير منقوضة‏.‏

الثاني‏:‏ إن ثبت ما تقدمت الإشارة إليه من أن العمرة لا يحصل بها الإحياء زال الإشكال في كون الطواف أفضل منها لكونها تقع من المتطوع نفلا‏.‏

ومسألة التفضيل بين الطواف والعمرة‏:‏ مختلف فيها وألف فيها المحب الطبري كتابا قال فيه‏:‏

ذهب قوم من أهل عصرنا إلى تفضيل العمرة ورأوا أن الاشتغال بها أفضل من الطواف وذلك خطأ ظاهر وأدل دليل على خطئه مخالفة السلف الصالح‏,‏ فإنه لم ينقل تكرار العمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة والتابعين‏.‏

وقد روى الأزرقي أن عمر بن عبد العزيز سأل أنس بن مالك‏:‏ الطواف أفضل أم العمرة‏؟‏ فقال‏:‏ الطواف‏.‏

وقال طاوس‏:‏ الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري‏:‏ يؤجرون أم يعذبون‏؟‏ قيل‏:‏ لم‏؟‏ قال‏:‏ لأن أحدهم يدع الطواف بالبيت‏,‏ ويخرج إلى أربعة أميال‏,‏ ويجيء‏.‏

وقد ذهب أحمد إلى كراهة تكرارها في العام ولم يذهب أحد إلى كراهة تكرار الطواف بل أجمعوا على استحبابه‏.‏

 وهذا الذي اختاره من يفضل الطواف عليها‏,‏ هو الذي نصره ابن عبد السلام وأبو شامة‏.‏

وحكى بعضهم في التفضيل بينهما احتمالات‏.‏

ثالثها‏:‏ إن استغرق زمان الاعتمار‏,‏ فالطواف أفضل وإلا‏,‏ فهي أفضل‏.‏

وقال في الخادم‏:‏ يحتمل أن يقال‏:‏ إن حكاية الخلاف في التفضيل لا تتحقق‏,‏ فإنه إنما يقع بين متساويين في الوجوب والندب‏;‏ فلا تفضيل بين واجب ومندوب‏.‏ ولا شك أن العمرة لا تقع من المتطوع إلا فرض كفاية‏,‏ والكلام في الطواف المسنون‏.‏

نعم إن قلنا إن إحياء الكعبة يحصل بالطواف كما يحصل بالحج والاعتمار وقع الطواف أيضا فرض كفاية لكنه بعيد ا هـ‏.‏

قال المحب الطبري‏:‏ والمراد بكون الطواف أفضل‏:‏ الإكثار منه دون أسبوع واحد‏,‏ فإنه موجود في العمرة وزيادة‏.‏

قلت‏:‏ ونظيره ما في شرح المهذب‏:‏ أن قولنا‏:‏ الصلاة أفضل من الصوم‏,‏ المراد به الإكثار منها بحيث تكون غالبة عليه‏,‏ وإلا فصوم يوم أفضل من صلاة ركعتين بلا شك‏.‏

ومن فروض الكفاية‏:‏

الجهاد‏.‏ حيث الكفار مستقرون في بلدانهم ويسقط بشيئين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يحصن الإمام الثغور بجماعة يكافئون من بإزائهم من الكفار‏.‏

الثاني‏:‏ أن يدخل الإمام دار الكفار غازيا بنفسه‏:‏ أو بجيش يؤمر عليهم من يصلح لذلك وأقله مرة واحدة في كل سنة فإن زاد‏,‏ فهو أفضل‏.‏ ولا يجوز إخلاء سنة عن جهاد إلا لضرورة بأن يكون في المسلمين ضعف‏,‏ وفي العدو كثرة‏,‏ ويخاف من ابتدائهم الاستئصال لعذر بأن يعز الزاد وعلف الدواب في الطريق فيؤخر إلى زوال ذلك‏,‏ أو ينتظر لحاق مدد أو يتوقع إسلام قوم فيستميلهم بترك القتال‏.‏

ومنها‏:‏ التقاط المنبوذ‏.‏

ومنها‏:‏ اللقطة على وجه‏.‏

ومنها‏:‏ رد السلام‏,‏ حيث المسلم عليه جماعة‏.‏

ومنها‏:‏ دفع ضرر المسلمين ككسوة عار وإطعام جائع إذا لم يندفع بزكاة وبيت مال‏,‏ وهل يكفي سد رمق أو لا بد من تمام الكفاية التي يقوم بها من يلزمه نفقته‏؟‏ خلاف‏.‏

قال في المهمات‏:‏ الأصح‏:‏ الأول‏.‏ 

قال‏:‏ ومحاويج أهل الذمة كالمسلمين وصرح به القمولي في الجواهر ويختص الوجوب بأهل الثروة‏.‏

ومنها‏:‏ إغاثة المستغيثين في النائبات ويختص بأهل القدرة‏.‏

ومنها‏:‏ فك الأسرى‏,‏ ذكره الزركشي نقلا عن التجريد لابن كج‏.‏

ومنها إقامة الحرف والصنائع وما تتم به المعايش كالبيع والشراء والحرث وما لا بد منه‏:‏ حتى الحجامة والكنس‏.‏

ومنها تحمل الشهادة وأداؤها وتولي الإمامة والقضاء وإعانة القضاة على استبقاء الحقوق‏.‏

ومنها‏:‏ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يختص بأرباب الولايات ولا بالعدل ولا بالحر ولا البالغ ولا يسقط بظن أنه لا يفيد أو علم ذلك عادة ما لم يخف على نفسه أو ماله أو على غيره مفسدة أعظم من ضرر المنكر الواقع‏.‏

ومنها‏:‏ النكاح‏.‏ عده بعض أصحابنا فرض كفاية حتى لو امتنع منه أهل قطر أجبروا‏.‏ حكاه في شرح الروضة‏,‏ وجزم به في الوسيط‏,‏ ومال السبكي إلى قتالهم‏,‏ وإن قنعوا بالتسري مع تضعيفه القول بأنه فرض كفاية‏.‏

لكن قال القمولي في الجوهر‏:‏ الظاهر أن المراد بكونه فرض كفاية ما إذا طلبه رجل‏,‏ فإنه يجب على نساء البلد إجابته‏,‏ ويسقط بواحدة‏;‏ وكذا على الأولياء المجبرين وخطأه في الخادم وقال‏:‏ المراد تركه للأمة‏;‏ لانقطاع النسل‏.‏

ومنها‏:‏ تعليم الطالبين‏,‏ والإفتاء‏,‏ ولا يكفي في إقليم مفت واحد‏.‏

والضابط‏:‏ أن لا يبلغ ما بين مفتيين مسافة القصر‏.‏

قال الفزاري‏:‏ ولا يستغنى بالقاضي عن المفتي‏;‏ لأن القاضي يلزم من رفع إليه عند التنازع‏,‏ والمفتي يرجع إليه المسلم في جميع أحواله العارضة‏.‏

ومنها‏:‏ إسماع الحديث‏.‏

ومنها‏:‏ تصنيف الكتب‏.‏ أشار إليه البغوي في أول التهذيب‏.‏

وقال الزركشي في قواعده‏:‏ من فرض الكفاية‏:‏ تصنيف الكتب لمن منحه الله فهما واطلاعا‏,‏ ولن تزال هذه الأمة مع قصر أعمارها في ازدياد‏,‏ وترق في المواهب والنوادر‏.‏

والعلم‏:‏ لا يحل كتمه فلو ترك التصنيف لضيع العلم على الناس‏.‏

ومنها‏:‏ القيام بإقامة الحجج وحل المشكلات في الدين‏,‏ وبعلوم الشرع‏,‏ وهي‏:‏

التفسير‏,‏ والحديث‏,‏ والفقه‏,‏ بحيث يصلح للقضاء والإفتاء وآلاتها كالأصول‏.‏

 والنحو‏,‏ والصرف‏,‏ واللغة‏,‏ وأسماء الرواة‏,‏ والجرح‏,‏ والتعديل‏,‏ واختلاف العلماء‏,‏ واتفاقهم‏,‏ والطب‏,‏ والحساب المحتاج إليه في المعاملات‏,‏ والإرث‏,‏ والوصايا‏,‏ ونحوها‏.‏

وإنما يتوجه ذلك على أهل القضاء غير بليد له ما يكفيه‏,‏ ويدخل الفاسق ولا يسقط به‏.‏

ولا يدخل العبد والمرأة‏,‏ وفي سقوطه بهما وجهان‏.‏

ومنها‏:‏ حفظ القرآن‏,‏ والحديث‏.‏ ذكره في شرح المهذب‏.‏

وعبر العبادي في الزيادات‏,‏ والجرجاني في الشافي‏:‏ بحفظ جميع القرآن‏.‏

وعبر الماوردي بنقل السنن‏.‏

وعد الشهرستاني في الملل والنحل‏:‏ الاجتهاد من فروض الكفايات‏.‏

قال‏:‏ فلو اشتغل بتحصيله واحد‏,‏ سقط الفرض عن الجميع‏,‏ وإن قصر فيه أهل عصر عصوا بتركه‏,‏ وأشرفوا على خطر عظيم‏,‏ فإن الأحكام الاجتهادية إذا كانت مترتبة على الاجتهاد ترتب المسبب على السبب‏,‏ ولم يوجد السبب كانت الأحكام عاطلة‏,‏ والآراء كلها متماثلة‏,‏ فلا بد إذن من مجتهد انتهى‏.‏

قاله الزركشي‏.‏

ومن فروض الكفايات‏:‏

جهاد النفس‏.‏

قال الشيخ علاء الدين الباجي‏:‏ جهاد النفس فرض كفاية على المسلمين البالغين العاقلين‏;‏ ليرقى بجهادها في درجات الطاعات ويظهر ما استطاع من الصفات‏.‏ ليقوم بكل إقليم رجل من أهل الباطن‏.‏ كما يقوم به رجل من علماء الظاهر كل منهما يعين المسترشد على ما هو بصدده فالعالم‏:‏ يقتدى به‏,‏ والعارف يهتدى به‏.‏ وهذا ما لم يستول على النفس طغيانها‏,‏ وانهماكها في عصيانها‏.‏ فإن كان كذلك صار اجتهادها فرض عين بكل ما استطاع‏.‏

فإن عجز استعان عليها بمن يحصل له المقصود من علماء الظاهر‏,‏ والباطن بحسب الحاجة وهو أكبر الجهادين إلى أن ينصره الله تعالى‏.‏

خاتمة‏:‏

العلوم تنقسم إلى ستة أقسام‏:‏

أحدها فرض كفاية‏.‏ وقد مر‏.‏ 

والثاني‏:‏ فرض عين‏:‏ وهو ما يحتاج إليه العامة في الفرائض‏:‏ كالوضوء‏,‏ والصلاة والصوم‏.‏ إنما يتوجه بعد الوجوب‏,‏ فإن كان بحيث لو صبر إلى دخول الوقت لم يتمكن‏:‏ لزمه التعلم قبله‏,‏ كما يلزم بعيد الدار السعي إلى الجمعة قبل الوقت‏.‏

وما كان على الفور فتعلمه على الفور وما لا فلا‏.‏

وإنما يلزم تعلم الظواهر لا الدقائق والنوادر‏.‏

ومن له مال زكوي‏,‏ يلزمه ظواهر أحكام الزكاة‏.‏

ومن يبيع ويشتري‏,‏ يلزمه تعلم أحكام المعاملات‏.‏

ومن له زوجة يلزمه تعلم أحكام عشرة النساء وكذا من له أرقاء‏,‏ وكذا معرفة ما يحل‏,‏ وما يحرم من مأكول‏,‏ ومشروب‏,‏ وملبوس‏.‏

وأما علم الكلام‏:‏ فليس عينا‏.‏

قال الإمام‏:‏ ولو بقي الناس على ما كانوا عليه لنهينا عن التشاغل به‏.‏

أما إذا ظهرت البدع‏,‏ فهو فرض كفاية‏,‏ لإزالة الشبه‏,‏ فإن ارتاب أحد في أصل منه لزمه السعي في إزاحته‏.‏

قال في شرح المهذب‏:‏ فإن فقد الأمران فحرام‏.‏

والواجب في الاعتقاد التصديق الجازم بما جاء به القرآن والسنة‏.‏

وأما علم القلب‏:‏

ومعرفة أمراضه من الحسد‏,‏ والعجب‏,‏ والرياء ونحوها‏.‏

فقال الغزالي‏:‏ إنها فرض عين‏.‏ وقال غيره‏:‏ من رزق قلبا سليما منها كفاه‏.‏ وإلا فإن تمكن من تطهيره بغيره لزمه‏,‏ وإن لم يتمكن إلا بتعلمه وجب‏.‏

الثالث‏:‏ مندوب‏.‏ كالتبحر في العلوم السابقة بالزيادة على ما يحصل به الفرض‏.‏

الرابع‏:‏ حرام‏.‏ كالفلسفة‏,‏ والشعوذة‏,‏ والتنجيم‏,‏ والرمل‏,‏‏,‏ وعلوم الطبائعيين‏,‏ والسحر‏,‏ هذا ما في الروضة‏.‏

ودخل في الفلسفة‏:‏ المنطق‏.‏ وصرح به النووي في طبقاته‏,‏ وابن الصلاح في فتاويه‏,‏ وخلائق آخرون‏.‏

 ومن هذا القسم‏:‏ علم الحرف‏.‏ صرح به الذهبي‏,‏ وغيره والموسيقى نقل ابن عبد البر الإجماع عليه‏.‏

الخامس‏:‏ مكروه كأشعار المولدين في الغزل‏,‏ والبطالة‏.‏

السادس‏:‏ مباح كأشعارهم التي لا سخف فيها ولا ما يثبط عن الخير ولا يحث عليه‏.‏ ذكر هذه الأقسام النووي في الروضة وغيرها‏.‏

فقد استكمل العلم أقسام الأحكام الخمسة‏.‏

ونظيره في الأقسام المذكورة‏:‏ النكاح فإنه يكون فرض كفاية كما تقدم‏,‏ وفرض عين على من خاف العنت‏,‏ ومندوبا لتائق إليه واجد أهبة‏,‏ ومكروها لفاقد الأهبة‏,‏ والحاجة أو واجدها وبه علة‏,‏ كهرم‏,‏ أو تعنين‏,‏ أو مرض دائم‏,‏ ومباحا لواجد الأهبة‏,‏ غير محتاج‏,‏ ولا علة‏,‏ وحراما لمن عنده أربع‏.‏

ونظيره في تلك أيضا‏:‏ القتل‏,‏ فإنه يكون فرض عين على الإمام في الردة‏,‏ والحرابة وترك الصلاة‏,‏ والزنا‏.‏

وفرض كفاية في الجهاد‏,‏ والصيال على بضع‏.‏

ومندوبا في الحربي إذا قدر عليه‏,‏ ولا مصلحة في استرقاقه‏,‏ والصائل حيث الدفع أولى من الاستسلام‏.‏

ومكروها‏:‏ في الأسير حيث في استرقاقه مصلحة‏.‏

وحراما‏:‏ في نساء أهل الحرب وصبيانهم ومنه‏:‏ القتل العمد العدوان ومباحا في القصاص‏.‏

وله قسم سابع‏,‏ وهو‏:‏ ما لا يوصف بواحد من الستة‏,‏ وهو قتل الخطأ‏.‏

وقريب من ذلك‏:‏ الطلاق‏,‏ فإنه يكون واجبا وهو طلاق الحكمين‏,‏ والمولى‏.‏ ومندوبا‏,‏ وهو طلاق من خاف أن لا يقيم حدود الله في الزوجية‏,‏ ومن رأى ريبة يخاف معها على الفرش‏.‏

وحراما‏:‏ وهو البدعي وطلاق من قسم لغيرها ولم يوفها حقها من القسم‏.‏

ومكروها وهو ما سوى ذلك ففي الحديث‏:‏ ‏"‏أبغض الحلال إلى الله الطلاق‏"‏ ولا يوجد فيه مباح مستوي الطرفين‏.‏

هكذا حكاه النووي عن الأصحاب في شرح مسلم‏.‏

قال العلائي‏:‏ ويمكن أن يوجد عند تعارض مقتضى الفراق وضده في رأي الزوج‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏فيما هو سنة على الكفاية‏]‏

قال الشاشي في الحلية‏:‏ ليس لنا سنة على الكفاية‏,‏ إلا ابتداء السلام‏.‏

فلو لقي جماعة واحدا أو جماعة فسلم واحد منهم كفى لأداء السنة‏,‏ واستدرك عليه أشياء‏.‏

منها‏:‏ تشميت العاطس‏.‏ صرح أصحابنا بأنه سنة على الكفاية‏,‏ كابتداء السلام‏.‏

ومنها‏:‏ التسمية على الأكل‏,‏ فلو سمى واحد من الآكلين أجزأ عنهم‏.‏ نقله في الروضة عن نص الشافعي‏.‏ ومنها‏:‏ الأضحية إذا ضحى بشاة واحد من أهل البيت تأدى الشعار بها والسنة عن جميعهم‏.‏

ومنها‏:‏ ما يفعل بالميت مما ندب إليه‏.‏

ومنها‏:‏ الأذان والإقامة على الأصح‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر أنهما سنتا عين‏,‏ وإلا لعدت الجماعة على القول بأنها سنة‏.‏ والعيد‏,‏ والكسوف‏,‏ والاستسقاء‏.‏

ومما يصلح أن يعد منها‏:‏ ما تقدم من العلم‏:‏ أنه مندوب‏.‏ وتلقين الميت إذا أرتج عليه‏.‏

ولم أر من تعرض لذلك‏.‏

القول في أحكام السفر

قال النووي‏:‏ رخص السفر‏:‏ ثمانية‏:‏

القصر‏,‏ والجمع‏,‏ والفطر‏,‏ والمسح أكثر من يوم وليلة‏,‏ ويختص بالطويل‏,‏ والتنفل على الراحلة‏,‏ وإسقاط الجمعة‏,‏ وأكل الميت‏,‏ وإسقاط الفرض بالتيمم‏,‏ ولا يختص به واستدرك عليه أخرى‏.‏

وهي‏:‏ عدم القضاء لمن سافر بها معه‏.‏

وقد تقدم بأبسط من ذلك في القاعدة الثالثة من الكتاب الأول عند الكلام على التخفيفات‏.‏

ونزيد هنا أن السفر اختص بأمور أخرى غير التخفيفات‏.‏

منها‏:‏ عدم صحة الجمعة‏.‏

ومنها‏:‏ تحريمه على المرأة إلا مع زوج‏,‏ أو محرم‏,‏ للحديث وسواء السفر الطويل‏,‏ والقصير‏.‏ كما في شرح المهذب‏,‏ والمباح‏,‏ والواجب ومن ثم لم يجب عليها الحج‏.‏

 ولا التغريب في الزنا‏,‏ إذا امتنع الزوج أو المحرم من الخروج‏.‏

نعم‏:‏ أقيم مقامها في الحج‏:‏ النسوة الثقات‏.‏ والتعبير بالثقات‏:‏ يخرج غيرهن‏.‏ وبالنسوة تخرج المرأة الواحدة فلا يجب الخروج للحج معها‏,‏ لكن يجوز أن يخرج معها لأداء حجة الإسلام على الصحيح في شرح المهذب‏.‏

قال الأسنوي‏:‏ فهما مسألتان‏:‏

إحداهما شرط وجوب حجة الإسلام‏.‏

والثانية‏:‏ جواز الخروج لأدائها‏.‏

وقد اشتبهتا على كثير حتى توهموا اختلاف كلام النووي في ذلك‏.‏

وليس لها أن تخرج لحج التطوع‏,‏ وغيره من الأسفار التي لا تجب على المرأة الواحدة بل ولا مع النسوة الخلص عند الجمهور‏.‏

ونص عليه الشافعي‏,‏ كما قاله في شرح المهذب‏,‏ وصححه في أصل الروضة قال الأسنوي‏:‏ ولا شك أن لها الهجرة من بلاد الكفر وحدها‏.‏

فعلى هذا تستثنى هذه المسألة من أصل القاعدة‏.‏

ومنها‏:‏ تحريمه على الولد إلا بإذن أبويه ويستثنى السفر لحج الفرض ولتعلم العلم والتجارة‏.‏

ومنها‏:‏ تحريمه على المديون‏,‏ إلا بإذن غريمه بشرط أن يكون الدين حالا‏.‏

وقيل يمنع في المؤجل من سفر مخوف‏.‏

ومنها‏:‏ وجوب طواف الوداع على مريده من مكة‏.‏

قال في شرح المهذب‏:‏ وسواء الطويل والقصير‏.‏

ومنها‏:‏ جواز إيداع المودع الوديعة عند غيره إذا أراد سفرا ولم يجد المالك‏.‏

ضابط‏:‏

مسافة القصر في حكم البعيد‏,‏ وما دونها في حكم الحاضر‏,‏ إلا في صور‏:‏

الأولى‏:‏ نقل الزكاة‏.‏

الثانية‏:‏ عدم وجوب الحج على من لا يطيق المشي‏.‏

الثالثة‏:‏ إحضار المكفول‏.‏

الرابعة‏:‏ إذا أراد أحد الأبوين سفر نقلة فالأب أولى مطلقا‏.‏

فائدة‏:‏

الأبنية تعتبر في صلاة الجمعة‏,‏ ورخص السفر الثمانية‏,‏ وعدم تحريم الاستقبال والاستدبار لقاضي الحاجة وفي بيع القرية‏,‏ وفي حكم قاضي البلد‏.‏

ضابط‏:‏

حيث أطلق في الشرع البعيد فالمراد به مسافة القصر‏,‏ إلا في رؤية الهلال‏,‏ فالبعد‏:‏ فيه اختلاف المطالع على ما صححه النووي‏.‏

ضابط‏:‏

تعتبر مسافة القصر في غير الصلاة‏:‏ في الجمع‏,‏ والفطر‏,‏ والمسح‏,‏ ورؤية الهلال‏.‏ على ما صححه الرافعي وحاضري المسجد الحرام‏,‏ ووجوب الحج ماشيا‏,‏ وتزويج الحاكم موليه الغائب‏.‏

ويختص ركوب البحر بأحكام‏:‏

منها‏:‏ تحريمه وإسقاطه الحج‏,‏ حيث كان الغالب الهلاك‏.‏

وفي فتاوى البارزية‏:‏ أنه لا يجوز لغير الأب والجد‏,‏ إركاب الطفل البحر‏,‏ وإن غلبت السلامة‏,‏ وأنه يجوز لهما لوفور شفقتهما‏.‏

القول في أحكام الحرم

اختص حرم مكة بأحكام‏:‏

الأول‏:‏ لا يدخله أحد إلا بحج أو عمرة وجوبا أو استحبابا‏.‏

الثاني‏:‏ لا تقاتل فيه البغاة على رأي‏.‏

الثالث‏:‏ يحرم صيده‏.‏

الرابع‏:‏ يحرم قطع شجره منهما ويشاركه فيهما حرم المدينة‏.‏

الخامس‏:‏ يمنع كل كافر من دخوله مقيما كان أو مارا‏.‏

السادس‏:‏ لا تحل لقطته للتملك‏.‏

السابع‏:‏ يحرم إخراج أحجاره وترابه إلى غيره‏.‏

الثامن‏:‏ يكره إدخال أحجار غيره وترابه إليه‏.‏

التاسع‏:‏ يختص نحر الهدايا والفداء به‏.‏

العاشر‏:‏ يجب قصده بالنذر بخلاف ما سواه‏.‏

الحادي عشر‏:‏ لو نذر الذبح فيه‏,‏ تعين بخلاف ما لو نذره بغيره فيذبح حيث شاء‏.‏

الثاني عشر‏:‏ لا يؤذن فيه لمشرك ولا يدفن فيه فإن دفن نبش وأخرج‏.‏

الثالث عشر‏:‏ تغلظ الدية على قاتل الخطأ فيه‏.‏

الرابع عشر‏:‏ لا دم على أهله في تمتع ولا قران‏.‏

الخامس عشر‏:‏ لا يجوز إحرام المقيم به بحج خارجه‏.‏

السادس عشر‏:‏ لا يكره فيه نافلة بوقت‏.‏

السابع عشر‏:‏ يسن الغسل لدخوله‏,‏ ويشاركه في ذلك حرم المدينة‏,‏ كما صرح به النووي في مناسكه‏.‏

الثامن عشر‏:‏ مضاعفة الصلاة فيه‏.‏

التاسع عشر‏:‏ مضاعفة السيئات فيهما كما تضاعف الحسنات‏.‏

العشرون‏:‏ الهم بالسيئة فيه مؤاخذ به ولا يؤاخذ به في غيره‏.‏

القول في أحكام المساجد

هي كثيرة جدا وقد أفردها الزركشي بالتصنيف وأنا أسردها هنا ملخصة‏.‏

فمنها‏:‏ تحريم المكث فيه على الجنب والحائض‏,‏ ودخوله على حائض‏,‏ وذي نجاسة يخاف منها التلويث‏.‏ ومن ثم حرم إدخاله الصبيان والمجانين حيث غلب تنجيسهم‏.‏ وإلا فيكره كما في زوائد الروضة والشهادات‏.‏

وحرم أيضا دلك النعل به‏;‏ لأنه تنجيس أو تقذير‏.‏ ذكره في شرح المهذب في الصلاة‏.‏

وذكر فيه أيضا‏:‏ أنه يحرم إدخاله النجاسة‏.‏

وفي فتاويه‏:‏ يحرم قتل قملة ونحوها وإلقاؤها فيه‏.‏

وفي الروضة‏:‏ يحرم البول فيه ولو في إناء‏:‏ بخلاف القصد فيه في إناء‏,‏ فيكره ولا يحرم‏.‏

وفي فتاوى القفال‏:‏ يمنع من تعليم الصبيان فيه‏.‏

ومنها‏:‏ يحرم أخذ شيء من أجزائه‏,‏ وحجره وحصاه وترابه وزيته وشمعه‏,‏ ذكره في شرح المهذب‏.‏ ومنها‏:‏ تحريم البصاق فيه كما جزم به في شرح المهذب‏,‏ والتحقيق‏,‏ والقمولي في الجواهر‏.‏

وفي المهمات‏:‏ أن الموجود للأصحاب هو الكراهة‏,‏ قال كما في شرح المهذب‏,‏ ومن بدره البصاق بصق في طرف ثوبه من الجانب الأيسر‏.‏

قال‏:‏ ويسن لمن رأى بصاقا فيه أن يزيله بدفنه في تراب المسجد‏,‏ فإن لم يكن له تراب أخذه بيده‏,‏ أو بعود ونحوه‏,‏ وأخرجه من المسجد‏.‏

ومنها‏:‏ كراهة دخوله لمن أكل ذا ريح كريهة‏,‏ والبيع والشراء فيه‏,‏ وسائر العقود‏,‏ وإن

 قل إلا لحاجة ونشدة الضالة‏,‏ والأشعار‏,‏ إلا ما كان في الزهد‏,‏ ومكارم الأخلاق‏,‏ وعمل الصنعة فيه كالخياطة‏,‏ ونحوها إن جعله مقعدا لها‏,‏ أو أكثر رفع الصوت فيه‏,‏ والخصومة والجلوس فيه للقضاء‏.‏

ومنها‏:‏ يسن كنسه وتنظيفه وتطييبه وفرشه والمصابيح فيه‏,‏ وتقديم اليمنى عند دخوله واليسرى عند خروجه‏.‏

ومنها‏:‏ أنه لا يمنع ستره بالحرير‏.‏ صرح به الغزالي‏,‏ وابن عبد السلام‏.‏